القائمة الرئيسية

الصفحات

بطلان الإلتزامات وإبطالها في قانون الالتزامات والعقود المغربي

بطلان الإلتزامات وإبطالها في قانون الالتزامات والعقود المغربي


بطلان الإلتزامات وإبطالها في قانون الالتزامات والعقود المغربي


إن العقد يقوم بأركان عامة هي التراضي والأهلية والمحل والسبب والشكل في العقود الشكلية والتسليم في العقود العينية. أيضا يجب أن تستجمع هذه الأركان شروط صحتها بأن لا يكون الشخص ناقص الأهلية وأن لا يكون رضاه معيبا بأحد عيوب الرضا وهي بالخصوص الغلط والإكراه والتدليس والغبن وحالة المرض والحالات الأخرى المشابهة.

وعليه يكون العقد صحيحا مرتبا لكافة آثاره المحددة من قبل المشرع إذا انعقد مستجمعا لكل أركانه وشروط صحته التي ينص عليها القانون.

أما إذا تخلف أو اختل عنصر من عناصر تكوين العقد أو صحته فإن المشرع قد رتب عن ذلك جزاء مدنيا يتمثل في البطلان والإبطال.

ويتعين التمييز بين البطلان من جهة وبين الإبطال من جهة أخرى.

فالبطلان هو الجزاء الذي يقرره المشرع إما نتيجة عدم توافر ركن من أركان العقد ( كانعدام الأهلية ، أو كون محل الالتزام عملا مستحيلا ، أو افتقار الالتزام إلى سبب يحمل عليه ) ، وإما بموجب نص قانوني يقضي في حالة خاصة ولاعتبارات تتعلق بالنظام العام ببطلان تصرف ما رغم توافر سائر أركانه.

أما الإبطال فهو الجزاء الذي يرتبه المشرع إما عن الإخلال بشرط من شروط صحة العقد ( كون رضا أحد المتعاقدين معيبا بأحد عيوب الرضا ، أو كون أحد المتعاقدين ناقص الأهلية ) وإما بموجب نص قانوني يمنح حق الإبطال لأحد المتعاقدين في بعض الحالات.

وقد خصص المشرع المغربي للبطلان والإبطال القسم اخامس من الكتاب الأول من قانون الإلتزامات والعقود ، حيث تعرض للبطلان في الباب الأول وذلك في الفصول 306 إلى 310 ، وتطرق للإبطال في الباب الثاني من القسم الخامس وذلك في الفصول من 311 إلى 318.

المطلب الأول : إعمال البطلان والإبطال

سنتطرق أولا لإعمال البطلان من حيث حالاته وخصائصه ، ثم نبحث في إعمال الإبطال حيث سنتعرض كذلك لحالاته وخصائصه.

الفقرة الأولى : إعمال البطلان

لقد خص المشرع المغربي للبطلان الفصول من 306 إلى 310 حيث عرض حالاته ، ثم أوضح خصائصه .

ففي ضوء هده الفصول ونصوص أخرى متممة لها ، وفي هدي بعض الأحكام العامة الواجبة التطبيق ولو لم يرد عليها نص ، سنعرض لحالات البطلان ، ثم خصائصه .

أولا : حالات البطلان

بالرجوع إلى الفصل 306 من ق.ل.ع نجده ينص في فقرته الثانية على مايلي " يكون الإلتزام باطلا بقوة القانون :
1-
إذا كان ينقصه أحد الاركان اللازمة لقيامه.

2- إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه ".

وسنبحث على التعاقب في كل من هاتين الحالتين :

الحالة الأولى : بطلان الإلتزام لتخلف ركن من أركان انعقاده

يقع الالتزام باطلا إذا كان ينقصه ركن من الأركان اللازمة لانعقاده. وأركان الإنعقاد كما نعلم هي : التراضي ، والأهلية ، والمحل ، والسبب ، وركن الشكل في العقود الشكلية ، وركن التسليم في العقود العينية.

فهكذا إذا اقتصر تراضي الطرفين على بعض شروط العقد واحتفظا صراحة بشروط أخرى معينة لكي تكون موضوعا لاتفاق لاحق ، فإن العقد لا ينعقد ، ويكون بالتالي باطلا لتخلف ركن التراضي المعتبر فيه.

وهكذا أيضا إذا صدر تصرف عن صغير غير مميز ، كنا إزاء تصرف باطل ، لأن ركن الأهلية لم يتحقق في هذا التصرف.

وإذا كان محل الالتزام التعاقدي غير موجود ، أو كان لا يحمل على سبب ، فإن العقد في الحالتين يقع باطلا.

وإذا اتفق شخص على بيع عقار في محرر عادي ، كان التزامه باطلا لتخلف ركن الشكلية فيه، وهو جريان البيع العقاري في محرر ثابت التاريخ كما ينص على ذلك الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود.

وإذا اتفق المدين على رهن مال لدى دائنه رهنا حيازيا ، محتفظا بحيازته لهذا المال ، كان عقد الرهن باطلا لأن الرهن الحيازي من العقود العينية التي يتطلب تمامها توافر ركن التسليم.

الحالة الثانية : بطلان الفي محرر عادي ، كان التزامه باطلا لتخلف ركن الشكلية فيه، وهو جريان البيع العقاري في محرر ثابت التاريخ كما ينص على ذلك الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود.

وإذا اتفق المدين على رهن مال لدى دائنه رهنا حيازيا ، محتفظا بحيازته لهذا المال ، كان عقد الرهن باطلا لأن الرهن الحيازي من العقود العينية التي يتطلب تمامها توافر ركن التسليم.

الحالة الثانية : بطلان الإلتزام بمقتضى نص في القانون

يقع العقد باطلا ، إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه. فقد يحصل أن يكون العقد مستجمعا سائر أركان انعقاده ، ولا تشوبه شائبة من هذه الناحية ، ولكن المشرع يرى لاعتبارات تتعلق بالنظام العام ، أن يقرر مع ذلك بطلانه.

فهكذا قرر المشرع بطلان كل تصرف يتعلق بتركة إنسان على قيد الحياة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 61 من ق.ل.ع " لا يجوز التنازل عن تركة إنسان على يد الحياة ولا إجراء أي تعامل فيها أو في شيء مما تشتمل عليه ولو حصل برضاه. وكل تصرف مما سبق باطلا بطلانا مطلقا ".

وهكذا أيضا قرر المشرع بطلان اشتراط الفائدة بين المسلمين ، وبالتالي بطلان عقد القرض المتضمن اشتراطا من هذا القبيل. فقد ورد بهذا المعنى في الفصل 870 من ق.ل.ع " اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحا أو اتخذ شكل هدية أو أي نفع آخر للمقرض أو أي شخص غيره يتخذه وسيطا له ".

ومن الأمثلة كذلك على البطلان بمقتضى نص في القانون نذكر مايلي :

  • ما نص عليه الفصل 1034 من ق.ل.ع من حيث بطلان عقد الشركة إذا تضمن شرطا يمنح أحد الشركاء نصيبا في الأرباح أو يحمله نصيبا في الخسارة يفوق ذلك الذي يتناسب مع حصته في رأس المال.

  • ما قضى به الفصل 978 من ق.ل.ع من حيث اعتبار تنازل الشريك على الشياع عن حق طلب قسمة المال الشائع باطلا عديم الأثر.

  • ما نص عليه الفصل 1092 من ق.ل.ع من حيث بطلان الإلتزامات التي يكون سببها رهان أو مقامرة.

  • ما أورده الفصل 729 من ق.ل.ع من حيث بطلان الإتفاق الذي يكون موضوعه تعليم أو أداء السحر والشعوذة أو القيام بأعمال مخالفة للقانون أو الأخلاق الحميدة أو النظام العام.

وفي نطاق حماية الطرف الضعيف في العقد من تسلط الطرف القوي ، قرر المشرع بطلان كل اتفاق يرمي إلى إيجار الإنسان خدماته لأجل غير محدد ( الفصل 727 من ق.ل.ع ) أو طول حياته أو لمدة تبلغ من الطول حدا بحيث يظل ملتزما حتى موته ( الفصل 728 من ق.ل.ع ).

  • الفصل 809 من ق.ل.ع وبمقتضاه " يكون باطلا كل اتفاق من شأنه أن يحمل المودع عنده تبعة الحادث الفجائي أو القوة القاهرة...".

ثانيا : خصائص البطلان

يقصد بخصائص البطلان الأحكام العامة والقواعد التي يقتضيها منطقيا عدم انعقاد العقد الباطل. وقد ورد النص على بعض هذه الخصائص في بحث البطلان نفسه ، والبعض الآخر هو من مقتضيات نصوص غيرها أو من مقتضيات المبادئ العامة الواجبة التطبيق ولو بدون نص.

الخاصية الأولى : بطلان جزء من الإلتزام يبطل الإلتزام بمجموعه مالم يكن الالتزام قابلا للبقاء دون الجزء الذي لحقه البطلان

ورد بهذا الخصوص في الفصل 308 من ق.ل.ع " بطلان جزء من الإلتزام يبطذل الإلتزام في مجموعه إلا إذا أمكن لهذا الإلتزام أن يبقى قائما بدون الجزء الذي لحقه البطلان ، وفي هذه الحالة الأخيرة يبقى الإلتزام قائما باعتباره عقدا متميزا عن العقد الأصلي ".

فإذا وقع تصرف ما ، وكان هذا التصرف باطلا في شق منه ، وتبين أن هذا التصرف يشكل وحدة لا تتجزأ في نظر المتعاقدين ، بحيث لم يكن ليتم بينهما لولا الشق الباطل ، فإن بطلان الشق يعم التصرق كله ويبطله في مجموعه. أما إذا تبين أن لا تلازم و لا ارتباط بين الجزء الباطل وبقية أجزاء العقد ، فإن البطلان ينحصر في في هذا الجزء وحده ويصح العقد في الباقي ، وهذا ما يسمى اصطلاحا بانتقاص العقد.

وقد طبق المشرع هذه الخاصية على الصلح ، فنص في الفصل 1114 على أن الصلح إذا شكلت أجزاؤه وحدة متماسكة ، واعترى البطلان جزء منها ، فبطلان هذا الجزء يؤول إلى بطلان الصلح كله. أما إذا كانت أجزاء الصلح مستقلة ومتميزة بعضها عن بعض ، فبطلان جزء منها لا يؤثر على صحة بقية الأجزاء التي تبقى صحيحة وملزمة للطرفين.

وقد يحصل أن يقرر المشرع نفسه بطلان العقد بمجموعه ، لبطلان شرط من شروطه ، كما فعل في الفصل 870 من ق.ل.ع حيث نص على أنه " اشتراط الفائدة باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحا ، أو اتخذ شكل هدية أو أي نفع آخر للمقرض أو لأي شخص غيره يتخذه وسيطا له "، أو في الفصل 1131 الذي نص على أن " كل شرط يقضي بإعطاء الكفيل أجرا عن كفالته يقع باطلا. ويترتب عليه بطلان الكفالة نفسها " ، أو في الفصل 1034 الذي جاء فيه أن " كل شرط من شأنه أن يمنح أحد الشركاء نصيبا في الأرباح أو في الخسسائر أكبر من النصيب الذي يتناسب مع حصته في رأس المال يكون باطلا ومبطلا لعقد الشركة نفسه ".

وقد يحصل على العكس أن يقرر المشرع قصر البطلان على الشرط الئي يرى وجوب اعتباره كأن لم يكن ، مع الإبقاء على العقد مطهرا من الشرط الباطل ، كما في عقد الشركة إذا تضمن شرطا من شأنه إعفاء أحد الشركاء من كل مساهمة في تحمل الخسائر حيث قرر الفصل 1035 أنه " يبطل الشرط الذي من شأنه إعفاء أحد الشركاء من كل مساهمة في تحمل الخسائر ، ولكن لا يترتب عليه بطلان العقد ".

ومن الأمثلة كذلك على بطلان الشرط مع بقاء العقد ، ما ورد عليه النص في المادة 47 من مدونة الأسرة من أن الشرط المخالف لأحكام عقد الزواج ومقاصده والمخالف للقواعد الآمرة يعتبر باطلا والعقد صحيحا.

الخاصية الثانية : بطلان الإلتزام الأصلي يقتضي بطلان الإلتزام التبعي ولا عكس

لقد ورد في الفصل 307 من ق.ل.ع أن " بطلان الإلتزام الأصلي يترتب عليه بطلان الإلتزامات التابعة..." وأن " بطلان الإلتزام التابع لا يترتب عليه بطلان الإلتزام الأصلي". والإلتزام الأصلي هو الذي يقوم بذاته دون حاجة إلى غيره. أما الإلتزام التابع فهو القائم بغيره والذي لا يتصور وجوده بدون التزام أصلي يرتكز عليه ويكون تابعا له.

ولما كان من القواعد الكلية أن التابع تابع ، فإن بطلان الإلتزام الأصلي يؤول إلى بطلان الإلتزام التبعي. وتطبيقا لهذه القاعدة نرى المشرع يقرر في الفصل 1150 أن " كل الأسباب التي يترتب عليها بطلان الإلتزام الأصلي يترتب عليها بطلان الكفالة " ، كما نراه يقرر في الفصل 1233 أن " بطلان الإلتزام الأصلي يقتضي بطلان الرهن ".

أما بطلان الإلتزام التبعي فلا يؤثر على صحة الإلتزام الأصلي الذي يبقى قائما ومنتجا إثاره. فإذا كانت الكفالة مثلا باطلة لتضمنها شرطا يمنح الكفيل أجرا عن كفالته ، أو إذا كان الرهن باطلا لسبب يقتضي بطلانه ، فإن بطلان الكفالة أو الرهن لا يؤدي إلى بطلان الإلتزام الأصلي المضمون بهذه الكفالة أو بهذا الرهن ولا يؤثر في صحته.

الخاصية الثالثة : العقد الباطل لا يقبل الإجازة ولا التصديق

نص الفصل 310 على أن " إجازة الإلتزام الباطل بقوة القانون أو التصديق عليه لا يكون لهما أدنى أثر ".

والإجازة هي عمل قانوني صادر من جانب واحد هو المجيز ، له أثر رجعي يستند إلى وقت نشوء العقد الباطل ، بمقتضاه يوافق المجيز على تثبيت عقد سابق قد عقده.

أما التصديق على العقد أو إقراره ، فهو تصرف يصدر من أجنبي عن العقد ، وبه يضيف هذا الأجنبي أثر العقد إلى نفسه.

فالعقد الباطل لا يقبل الإجازة ولا التصديق عليه ، لأن الباطل معدوم ، والعدم من الوجهة المنطقية لا ينقلب وجودا بالإجازة أو الإقرار. يضاف إلى ذلك أن البطلان هو من متعلقات النظام العام ، والإجازة أو الإقرار لا تهدم اعتبار النظام العام.

وعليه ، إذا أريد تحقيق الآثار القانونية المقصودة من العقد الباطل ، وجب إنشاء عقد جديد. وعندئد يكون تاريخ العقد من تاريخ توافق الإرادتين عليه مجددا ، فلا تتحقق الآثار المقصودة منه إلا من وقت إبرام العقد الجديد وليس من وقت صدور العقد الباطل.

الخاصية الرابعة : العقد الباطل لا يصححه التقادم

الحقيقة أن البطلان لا يزول بالتقادم ، بحيث يجوز إثارته مهما انصرم من الدهرعلى العقد الباطل ، فلا يمكن للزمن أن يصحح الخلل الادح الذي اعترى تكوين رابطة عقدية وجعلها تتعارض وموجبات حماية المصالح العامة للمجتمع.

غير أن دواعي المحافظة على استقرار المعاملات دفعت بالمشرع إلى تقرير أن دعوى البطلان تسقط بمرور مدة معينة.

وللإشارة فالمشرع عندنا لم يأت بآجال خاصة لتقادم دعوى البطلان بل أخضعها للقاعدة العامة الواردة في الفصل 387 من ق.ل.ع الذي نص على أن " كل الدعاوى الناشئة عن الإلتزام تتقادم بخمس عشرة سنة ، فيما عدا الإستثناءات الواردة فيما بعد ، والإستثناءات التي يقضي بها القانون ".

الخاصية الخامسة : الباطل لا يحتاج إلى إبطال

إن العقد الباطل بقوة القانون يعتبر باطلا منذ صدوره أي غير منعقد بين عاقديه. فهو عدم في نظر القانون لا يتوقف تقرير بطلانه على حكم من القاضي ، لأن القانون هو الذي قرر بطلانه من أصله ، فضلا عن أنه لو توقف على قضاء القاضي ، لكان قبل صدور الحكم منعقدا غير باطل ، مع أن المفروض أنه باطل بحكم القانون.

الخاصية السادسة : لكل ذي مصلحة في البطلان التمسك به وللمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها ولو لم يطلبه أحد المتقاضين

إن سبب البطلان في العقود الباطلة بقوة القانون يعود إلى كون العقد قد خولف فيه نظام التعاقد. فالبطلان مقرر رعاية للمصلحة العامة لا صيانة لمصلحة خاصة.

لذلك ، فإن لكل ذي مصلحة في البطلان أن يدعي به. وذو المصلحة هو كل من له حق يتأثر بصحة العقد أو ببطلانه. وعلى هذا الأساس يستطيع أن يتمسك بالبطلان كل من المتعاقدين ، والخلف العام ، والخلف الخاص ، والدائنون.

ثم إن المنطق القانوني يحتم بأن يكون للقاضي أيضا الحق ، إذا رفعت لديه دعوى تستند إلى عقد باطل ، أن يقرر البطلان من تلقاء نفسه ، حماية للمصلحة العامة ، ولو كان كل من الطرفين المتقاضيين يتمسك بالعفد ويطلب تنفيذه.

الفقرة الثانية : إعمال الإبطال

سنتطرق لحالات الإبطال أولا ، ثم سنعرض لخصائصه ثانيا.

أولا : حالات الإبطال

عرض الفصل 311 من ق.ل.ع لحالات الإبطال فقال " يكون لدعوى الإبطال محل في الحالات المنصوص عليها في الفصول 4 و 39 و 55 و 56 وفي الحالات الأخرى التي يحددها القانون ".

فاستنادا لهذا النص نستطيع القول بأن الإبطال يكون في إحدى الحالات التالية :

  1. نقصان أهلية أحد المتعاقدين

  2. تعيب إرادة أحد المتعاقدين بعيب من عيوب الرضا.

ج- كل حالة يمنح فيها القانون حق الإبطال لأحد المتعاقدين أو للغير.

وسنبحث على التعاقب في كل من هذه الحالات.

  • الإبطال لنقصان أهلية أحد المتعاقدين : هذه الحالة من حالات الإبطال ورد النص عليها في الفصل 4 من ق.ل.ع وبمقتضاه " إذا تعاقد القاصر وناقص الأهلية بغير إذن الأب أو الوصي أو المقدم ، فإنهما لا يلزمان بالتعهدات التي يبرمانها ولهما أن يطلبا إبطالها...".

  • الإبطال لتعيب إرادة أحد المتعاقدين بعيب من عيوب الرضى : ورد النص على هذه الحالة في الفصول 39 و 55 و 56 من ق.ل.ع

فبمقتضى الفصل 39 " يكون قابلا للإبطال الرضى الصادر عن غلط أو الناتج عن تدليس أو المنتزع بإكراه ".

وبمقتضى الفصل 55 يجوز لأحد المتعاقدين إبطال العقد إذا كان قد لحقه غبن، وكان هذا الغبن قد نتج عن تدليس الطرف الآخر أو نائبه أو الشخص الذي تعامل من أجله.

وبمقتضى الفصل 56 يجوز إبطال العقد الذي أبرمه القاصر أو ناقص الأهلية إذا ما لحق هذا القاصر أو ناقص الأهلية غبن.

  • الإبطال بمقتضى نص خاص في القانون : يرجع في هذه الحالةمن حالات الإبطال إلى النص الخاص الذي تقررت بموجبه ، من ذلك مثلا :

  • بيع ملك الغير الذي يكون قابلا للإبطال لمصلحة المالك الحقيقي طبقا للفصل 485 من ق.ل.ع الذي جاء فيه " بيع ملك الغير يقع صحيحا إذا أقره المالك...".

  • رهن ملك الغير الذي يكون بدوره قابلا للإبطال لفائدة مالك الشيء المرهون تبعا لما نص عليه الفصل 1173 من ق.ل.ع بقوله " رهن ملك الغير صحيح إذا ارتضاه مالك الشيء أو أقره...".

  • عقد القرض مقابل فوائد مرتفعة والذي يكون قابلا للإبطال لفائدة المقترض طبقا لمقتضيات الفصل 878 من ق.ل.ع الذي نص على أنه " من يستغل حاجة شخص آخر أو ضعف إدراكه أو عدم تجربته فيجعله يرتضي من أجل الحصول على قرض، أو لتجديد قرض قديم عند حلول أجله فوائد أومنافع أخرى تتجاوز إلى حد كبير السعر العادي للفوائد وقيمة الخمة المؤداة ، وفقا لمقتضيات المكان وظروف التعامل ، يمكن أن يكون محلا للمتابعة الجنائية. ويسوغ إبطال الشروط والإتفاقات المعقودة بمخالفة حكم هذا الفصل بناء عى طلب الخصم ، بل حتى من تلقاء نفس المحكمة....".

ثانيا : خصائص الإبطال

يتميز الإبطال ببعض خصائص تختلف عن الخصائص التي يتميز بها البطلان ، ويشترك معه في بعض الخصائص الأخرى.

  • الخصائص التي يشترك فيها الإبطال والبطلان

الخاصية الأولى : إبطال جزء من العقد يبطل العقد بمجموعه مالم يكن العقد قابلا للبقاء دون الجزء الذي تقرر إبطاله

إنهذه الخاصية ، وإن كانت وردت في بحث البطلان ، إلا أنها من متعلقات الإبطال أيضا.

وعليه ، إذا كانت قابلية الإبطال محصورة في بعض نواحي العقدىدون بعض ، وكان هذا العقد يشكل في نظر المتعاقدين وحدة لا تتجزأ ، فإبطال بعض نواحيه يؤول إلى إبطاله بمجموعه. أما إذا لم يكن بين مختلف نواحي العقد من الترابط ، ما يمنع التجزئة ، فإن الجزء الذي انحصرت يه عوامل الإبطال هو الذي يبطل من اعقد فققط.

الخاصية الثانية : إبطال الإلتزام الأصلي يقتضي إبطال الإلتزام التبعي ولا عكس

هذه الخاصية ورد ذكرها أيضا ي بحث البطلان. ومع ذلك ، فإنه يجب تطبيقها في حقل الإبطال ، لاسيما أن الفصل 1233 من ق.ل.ع سوى صراحة بين البطلان والإبطال في هذه الخاصية ، إذ هو بعد أن ذكر في مطلعه أن " بطلان الإلتزام الأصلي يقتضي بطلان الرهن". استطرد قائلا " الأسباب التي توجب إبطال الإلتزام الأصلي توجب إبطال الرهن ".

وعليه، إذا تقرر إبطال الالتزام الاصلي لنقص في الأهلية او عيب من عيوب الرضى ، فإن ما يتبعه من التزامات ، ناشئة عن الكفالة أو الرهن مثلا يشمله الإبطال أيضا. أما إذا تقرر إبطال الإلتزامات التابعة لسبب يقتضي هذا الإبطال ، كأن يكون عقد الكفالة أو الرهن صدر عن إرادة معيبة ، فإن الإلتزام الأصلي ، الذي جاء عقد الكفالة أو عقد الرهن ليضمن تنفيذه ، لا يتأثر من جراء ذلك ويبقى صحيحا.

  • الخصائص التي ينفرد بها الإبطال

الخاصية الأولى : العقد القابل للإبطال يقبل الإجازة أو الإقرار

العقد القابل للإبطال يمكن تصحيحه وتطهيره من العيب الذي يشوبه عن طريق الإجازة أو الإقرار.

والإجازة هي الرضى ببقاء العقد واستقراره نهائيا ممن له حق إبطاله ، أو بعبارة أخرى هي التنازل عن حق الإبطال من صاحب هذا الحق.

أما إقرار العقد ، فهو رضى شخص ثالث بأن تسري عليه أحكام عقد عقده طرفان آخران ، وليس ساريا عليه ، كما في حالة بيع ملك الغير ، إذا أعقب ذلك رضى المالك بهذا البيع.

والإجازة والإقرار قد يردان صراحة وقد يحصلان ضمنا.

فقد ترد الإجازة والإقرار بصورة صريحة، وعندها يشترط لصحتهما توافر الشروط التالية المنصوص عليها في الفصل 317 من ق.ل.ع :

الشرط الأول : يجب أن تتضمن الإجازة أو الإقرار بيان جوهر الإلتزام القابل للإبطال.

الشرط الثاني : يجب أن تتضمن الإجازة أو الإقرار الإشارة إلى سبب قابلية الإلتزام للإبطال، وذلك ابتغاء تحقيق هدفين : الأول هو التثبت من وقوع الإجازة أو الإقرار في وقت يكون فيه سبب الإبطال قد زال. والهدف الثاني هو حصر مدى الإجازة أو الإقرار ضمن الحدود التي رسمها من صدرت عنه الإجازة أو الإقرار.

الشرط الثالث : الإعلان عن الرغبة في إصلاح العيب الذي كان من شأنه أن يؤدي إلى الإبطال. وهذا الشرط بديهي ، إذ المقصود من الإجازة أو الإقرار هو تطهير العقد من العيب الذي يشوبه ، فلا بد إذن من الإعلان عن الرغبة في التنازل عن حق الإبطال وتصحيح العقد من العيب العالق به.

وقد ترد الإجازة أو الإقرار بصورة ضمنية ، ويستفادان من ظروف الحال ، وذلك كتنيذ العقد كلا أو جزء من جانب صاحب حق الإبطال ، وهو على بينة من حقه في الإبطال، شرط وقوع هذا التنفيذ في وقت من الممكن إجازة القد القابل للإبطال أو إقراره بصورة صحيحة. وهذا ما أوضحته الفقرة الأولى من الفصل 318 من ق.ل.ع بقوله " إذا لم تحصل الإجازة أو الإقرار صراحة ، يكفي أن ينفذ طوعا إما كليا أو جزئيا الإلتزام القابل للإبطال ممن كان على بينة من عيوبه ، بعد الوقت الذي يمكن له في إجازته أو التصديق عليه بوجه صحيح ".

وإذا أجيز العقد القابل للإبطال أو تم إقراره ، وذلك صراحة أو ضمنا ، فإنه يصبح عقدا صحيحا ، ويعتبر من صدرت عنه الإجازة أو الإقرار متنازلا عن حق الإبطال. وهذا ما قررته صراحة الفقرة الثانيةمن الفصل 318 بقولها " الإجازة أو الإعتراف الإختياري إذا وقعت في الشكل والوقت الذي يحددهما القانون يترتب عليها التنازل عن الوسائل والدفوع التي كان من الممكن التمسك بها ضد الإلتزام القابل للإبطال...".

الخاصية الثانية : قابلية الإبطال يصححها التقادم فتسقط به دعوى الإبطال

إن قابلية الإبطال يصححها التقادم ، وذلك عكس ما عليه الأمر في البطلان.

ومدة التقادم في دعوى الإبطال ليست مدة التقادم العادي المحددة بخمس عشرة سنة بل هي سنة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 311 " ...وتتقادم دعوى الإبطال بسنة في كل الحالات التي لا يحدد فيها القانون أجلا مخالفا. ولا يكون لهذا التقادم محل إلا بين من كانوا أطرافا في العقد ".

فانطلاقا من ذلك تتقادم دعوى الإبطال ـ مبدئيا ـ بانصرام مدة قصيرة هي سنة. لكن الحقيقة أن أجل تقادم دعوى الإبطال ليس قصيرا كما يبدو لأول وهلة ، لأن تاريخ احتسابه ليس يوم تكوين العقد ، وإنما تاريخا لاحق يختلف باختلاف أسباب الإبطال. وقد حدده الفصل 312 من ق.ل.ع على الشكل الآتي :

  • في حالة الإكراه من يوم زواله

  • في حالة الغلط والتدليس من يوم اكتشافهما

  • بخصوص التصرفات المبرمة من القاصرين من يوم بلوغهم سن الرشد

  • بخصوص التصرفات المبرمة من المحجر عليهم ومن ناقصي الأهلية من يوم رفع الحجر عنهم ، أو من يوم وفاتهم فيما يتعلق بورثتهم إذا وقعت وفاة المحجور عليه أو ناقص الأهلية وهو على هذه الحالة.

  • في حالة الغبن المتعلق بالراشدين من يوم وضع اليد على الشيء محل العقد.

من ثم فعن طريق تأخير تاريخ انطلاق التقادم يعمل الفصل 312 السالف على إطالة الآجال ، التي قد لا ينطلق احتسابها نظرا لعدم الإطلاع على الواقعة الموجبة للإبطال لداع أو لآخر. لذلك تجنب المشرع الإبقاء بصورة غير محددة على خطر دعوى الإبطالحيث نص في الفصل 314 على مبدأ آخر يقضي بأنه " تنقضي دعوى الإبطال بالتقادم في جميع الحالات بمرور خمس عشرة سنة من تاريخ العقد ".

وجدير بالذكر أن التمسك بالإبطال عن طريق الدفع لا يتقادم أبدا ، فمن حق من ترفع عليه الدعوى بتنفيذ العقد القابل للإبطال أن يتمسط بدفع الإبطال حتى لو كانت دعوى الإبطال قد انقضت بالتقادم القصير أو العادي. جاء بهذا الخصوص صمن الفصل 315 من ق.ل.ع " يسوغ التمسك بالدفع بالبطلان لمن ترفع عليه الدعوى بتنفيذ الإتفاق في جميع الحالات التي يمكنه فيهاهو نفسه أن يباشر دعوى الإبطال ، ولا يخضع هذا الدفع للتقادم المقرر في الفصول 311 إلى 314 ".

الخاصية الثالثة : العقد القابل للإبطال يحتاج إبطاله إلى قضاء

إن العقد القابل للإبطال عقد مستجمع لكل أركانه ، لكنه مشوب بعيب يؤثر في صحته ، وهذا العيب ليس خطيرا بحيث يجعل العقد باطلا منذ البداية.

لذلك فهو يبقى موجودا ولا يصبح باطلا إلا بتدخل القاضي ، الذي يكون حكمه منشئا للإبطال وليس معلنا عنه فقط. قبل الحكم القضائي يكون العقد منعقدا ومنتجا لآثاره ، وعقب الحكم بالإبطال يصبح منعدما.

ويثبت لهذا الحكم بالإبطال أثر رجعي ، بحيث يعتبر العقد باطلا ومنعدما منذ تاريخ إبرامه.

الخاصية الرابعة : لا يسوغ التمسك بالإبطال إلا من قبل ذي المصلحة وليس للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.

إن المشرع لم يقرر قابلية الإبطال ، في العقود التي تقتضي الإبطال ، إلا لمصلحة أحد المتعاقدين. لذلك كان لهذا المتعاقد الذي شرع الإبطال لمصلحته ، أن يتمسك وحده بإبطال العقد.

ولما كان الحق في الإبطال ينتقل إلى الورثة ، فإن من حق الخلف العام التمسك بالإبطال. وهذا ما قرره الفصل 313 من ق.ل.ع بقوله " تنتقل دعوى الإبطال إلى الورثة فيما بقي لمورثهم من مدتها ، مع مراعاة الأحكام المتعلقة بانقطاع التقادم أو بوقفه ". ويتبين من هذا النص أن الخلف العام لئن كان له ممارسة دعوى الإبطال ، فإن ذلك مشروط بأن تقع ممارسة هذه الدعوى فيما بقي للمورث من مدة.

أما المتعاقد الآخر أو الدائنون أو الخلف الخاص للمتعاقد الذي تقرر الإبطال لمصلحته ، فليس لهم ممارسة دعوى الإبطال ، وذلك بخلاف البطلان الذي يجوز لكل ذي مصلحة التمسك به.

وفي الإبطال ، خلافا لما عليه الحال في البطلان ، لا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ، بل لا بد أن يتمسك بذلك صاحب المصلحة. إذ الإبطال مقرر حماية لمصلحة شخص معين ، لا رعاية للمصلحة العامة.

المطلب الثاني : آثار البطلان والإبطال

إذا كان كل من بطلان العقد وإبطاله يختلغان من حيث القواعد التي تحكم إعمال كل واحد منهما ، فإن الآثار التي تترتب عنهما موحدة. فالعقد الباطل لا يثبت له أي وجود قانوني ، والعقد القابل للإبطال الذي تقرر المحكمة إبطاله يسري عليه نفس الحكم. بمعنى أن العقد في الحالتين يصبح لاغيا وكأن لم يكن ، باعتبار أنه عدم ، والعدم لا يرتب أي مفعول قانوني سواء فيما بين المتعاقدين أو في مواجهة الغير ( الفقرة الأولى ). غير أن موجبات استقرار التعامل وحماية حسن النية اقتضت الإعتداد ببعض الحالات الإستثنائية التي تترتب معها على العقد الباطل أو القابل للإبطال آثار أصلية ( الفقرة الثانية ) ، إضافة إلى الحالات التي تترتب معها بعض الآثار العرضية ( الفقرة الثالثة ).

الفقرة الأولى : انعدام العقد الباطل أو القابل للإبطال بأثر رجعي

يصبح العقد الذي تقرر بطلانه مجردا من أي جدوى أو فعالية بالنسبة للمستقبل, لكن البطلان يقتضي أيضا إعادة النظر في الآثار التي رتبها العقد المختل في الماضي ، فالعقد الباطل ينعدم بأثر رجعي ويعتبر كأن لم يكن. وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 306 من ق.ل.ع بقولها " الإلتزام الباطل قوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر ، إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له ".

وعند تنفيذ العقد الباطل أو القابل للإبطال كليا أو جزئيا يتعين إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ، فيكون على كل منهما أن يرجع إلى الطرف الآخر الأداء الذي قبضه منه. جاء في الفصل 316 من ق.ل.ع " يترتب على إبطال الإلتزام وجوب إعادة المتعاقدين إلى نفس ومثل الحالة التي كانا عليها وقت إنشائه ، والتزام كل منهما بأن يرد للآخر كل ما أخذه منه بمقتضى العقد الذي تقرر إبطاله...".

ويهم هذا المبدأ في آن واحدأطراف العقد الباطل أو القابل للإبطال ، وكذا الأغيار الذين تعاملوا مع أحدهم واكتسبوا حقا على المحل موضوع العقد.

فإذا لم يحصل تنفيذ العقد الذي تقرر بطلانه أو إبطاله ، بحيث لم يرتب أي حق أو دين فلا يلتزم أي من العاقدين بشيء إزاء الآخر ، بحيث ينعدم ذلك العقد بأثر رجعي ويعتبر كأن لم يكن.

أما إذا حصل تنفيذهذا العقد ولو جزئيا ، تعين إرجاع الأوضاع إلى سابق عهدها قبل التعاقد ، فيكون على كل متعاقد أن يرجع للآخر ما أخذه منه.

والأصل أن أثر البطلان أو الإبطال بالنسبة للغير هوذات الأثر فيما بين المتعاقدين ، فالعقد الباطل أو القابل للإبطال لا يرتب أي مفعول فيما بين المتعاقدين. وينتج عن ذلك أن يطال هذا الوضع الغير الذي تلقى من أحد الطرفين أو كليهما حقا على الشيء الذي ورد عليه العقد الباطل أو القابل للإبطال. فهذا الحق ينعدم تبعا للبطلان ، وذلك إعمالا للقاعدة التي تقضي أنه لا أحد بإمكانه أن ينقل إلى الغير أكثر مما يملك. فبطلان سند المتصرف يستتبع بطلان سند المتصرف إليه ، لأن ما بني على باطل فهو باطل.

ومجمل القول يترتب على وجوب إعادة الحالة إلى ما كانت عليه فيما بين المتعاقدين أن كلا من الطرفين يعتبر أنه لم يملك قط شيئا مما كان يراد تمليكه إياه بالعقد الذي وقع اطلا. فإذا تصرف أحدهما للغير في شيء من هذا القبيل ، كان تصرفه واردا على غير ملكه ، وبالتالي عاجزا عن أن ينقل إلى المتصرف إليه الحق المتصرف فيه ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

الفقرة الثانية : الآثار الأصلية المترتبة عن بطلان العقد أو إبطاله

تخرج عن مبدأ الأثر الرجعي للبطلان أو الإبطال عدة حالات تترتب معها مجموعة من الآثار الأثار الأصلية سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير.

ويمكن إجمال أبرز الإستثناءات الواردة على مبدأ إعدام العقد بأثر رجعي فيما بين المتعاقدين فيما يأتي :

  • الأداءات العينية الحاصلة في العقود المستمرة الباطلة أو القابلة للإبطال

لا تعطي بعض الأداءات غير النقدية بحسب طبيعتها الحق في الإسترجاع العيني وذلك في عقود المدة الباطلة أو القابلة للإبطال. ففي عقد الكراء الباطل أو القابل للإبطال لا يمكن للمكتري إرجاع انتفاعه بالعين المكتراة ، وفي عقد الباطل أو القابل للإبطال لا يمكن لرب العمل أن يرجع للعامل العمل الذي بذله لصالحه ، وهكذا في بقية العقود المستمرة الباطلة أو القابلة للإبطال التي يستحيل ماديا إعدام كل آثارها بطريقة رجعية.

  • احتفاظ الحائز حسن النية بالثمار

طبقا لمبدأ الأثر الرجعي للبطلان ـ والإبطال ـ يتعين إرجاع الثمار والعوائد مع الأصل موضوع الإلتزام التعاقدي الذي تقرر بطلانه أو إبطاله. لكن هذا الحكم يطبق في حق الحائز سيء النية ليس غير. جاء بهذا الخصوص في الفصل 101 من ق.ل.ع " الحائز سيء النية ملزم بأن يرد مع الشيء ، ك الثمار الطبيعية والمدنية التي جناها ، أو التي كان يستطيع أن يجنيها لو أنه أدار الشيء إدارة معتادة وذلك من وقت وصول الشيء إليه. ولا حق له إلا في استرداد المصروفات الضرورية التي أنفقت لحفظ الشيء وجني الثمار، غير أنه لا يكون له الحق في أن يباشر الإسترداد إلا على الشيء نفسه. ومصروفات رد الشيء تقع على عاتقه ".

ومعلوم أن معنى سيء النية هنا هو العاقد الذي انتقل إليه الحق وهو عالم بالعيب الذي يشوب سند ملكيته ، ويتهدده بالبطلان أو الإبطال.

أما العاقد حسن النية فيحق له الإحتفاظ بالثمار التي جناها ولا يسأل إلا عن إرجاعما وجد منها في حوزته وقت رفع الدعوى ببطلان الإلتزام التعاقدي أو إبطاله ، وما يجنيه منها بعد ذلك ، هذا مع العلم أنه يتحمل مصروفات الحفظ وجني الثمار. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 103 ـ فقرة 1 و 2 ـ من ق.ل.ع " الحائز حسن النية يتملك الثمار ، ولا يلزم إلا برد ما يكون منها موجودا في تاريخ رفع الدعوى عليه برد الشيء ، وما يجنيه منها بعد ذلك. وه يتحمل ،من ناحية أخرى ، مصروفات الحفظ ومصروفات جني الثمار".

ونشير هنا إلى أن المقصود بحسن النية هو الشخص الذي انتقل إليه الحقوهو جاهل العيب الذي يشوب سند ملكيته ويتهدده البطلان أو الإبطال. جاء في الفصل 103 ـ فقرة 3ـ من ق.ل.ع " احائز حسن النية هو من يحوز الشيء بمقتضى حجة يجهل عيوبها ". ومعلوم أن حسن النية يفترض دائما مادام العكس لم يثبت ( الفصل 477 من ق.ل.ع).

  • التزام القاصر طرف العقد الباطل برد ما عاد عليه من نفع ليس غير

أورد المشرع هذا الإستثناء بموجب فصلين من ق.ل.ع :

الفصل 6 جاء فيه : يجوز الطعن في الإلتزام من الوصي أو من القاصر بعد بلوغه رشده، ولو كان هذا الأخير قد استعمل طرقا احتيالية من شأنها أن تحمل المتعاقد الآخر على الإعتقاد برشده أو بموافقة وصيه أو بكونه تاجرا. ويبقى القاصر مع ذلك ملتزما في حدود النفع الذي استخلصه من الإلتزام ، وذلك بمقتضى الشروط المقررة في هذا الظهير".

والفصل 9 نص على ما يأتي " القاصر وناقص الأهلية يلتزمان دائما بسبب تنفيذ الطرف الآخر التزامه ، وذلك في حدود النفع الذي يستخلصانه من هذا التنفيذ. ويكون هناك نفع إذا أنفق ناقص الأهلية الشيء الذي تسلمه في المصروفات الضرورية ا, النافعة أو إذا كان الشيء لازال موجودا في ماله ".

فطبقا لهذه المقتضيات استثنى المشرع العاقد القاصر من قاعدة الأثر الرجعي للبطلان ، فإذا كان العقد باطلا أو قابلا للإبطال بسبب فقدان أو نقص أهلية أحد العاقدين ، فإن هذا العاقد يسترجع ما أوفى به طبقا لذات القاعدة ، لكنه لا يلتزم بأن يرجع للعاقد الآخر إلا بقدر ما عاد عليه من نفع.

وتؤخذ المنفعة هنا بمعناها الواسع فيراد بها أحد أمرين : الأول أن يكون القاصر قد استخدم ما حصل عليه في إشباع أحد متتطلباته الحقيقية أو تحقيق نفع لفائدته. والثاني أن يستمر المال الذي تسلمه القاصر في حوزته. ففي سائر هذه الحالات وما شابهها يلتزم القاصر بالرد ، أما إذا كان استخدم ما حصل عليه من مال في إشباع شهواته فإنه لا يلتزم بالرد. والسر في ذلك أنه لم يحقق منفعة من وراء تنفيذ العقد. ويعتبر هذا الإستثناء من أوجه الحماية التي أضفاها المشرع على طائفة القصر.

أما الإستثناءات التي لا تتأر فيها حقوق الغير بمبدأ رجعية آثار البطلان و الإبطال ، فنجملها في ما يلي :

  • الإستثناء الأول : ويتعلق بالعقار ، وبموجبه لا تتأثر الحقوق العينية ، وبموجبه لا تتأثر الحقوق العينية العقارية المكتسبة لغير حسن النية بمبدأ رجعية آثار البطلان والإبطال وذلك عند تقييد هذه الحقوق باسم هذا الغير في السجل العقاري. جاء في الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري ( كما عدل وتمم بالقانون 07-14 ) " كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده ، وابتداء من يوم التقييد ،في الرسم العقاري...ولا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة ".

  • الإستثناء الثاني : يهم حائز المنقول بحسن نية والذي يسوغ له التمسك بملكيته ولو تلقاه ممن ليس له الحق في التصرف فيه ، وذلك تطبيقا لقاعدة " الحيازة في المنقول سند الملكية ". جاء بهذا الخصوص ضمن الفقرة الأولى من الفصل 456 من ق.ل.ع " يفترض في الحائز بحسن نية شيئا منقولا أو مجموعة من المنقولات أنه قد كسب هذا الشيء بطريقة قانونيةوعلى وجه صحيح ، وعلىمن يدعي العكس أن يقيم الدليل عليه ". هذا مع العلم أن حسن النية لا يفترض في الشخص الذي كان يعلم أو كان يتعين عليه أن يعلم عند تلقيه الشيء أن من تلقاه منه لم يكن له حق التصرف فبه (الفقرة الثانية من نفس الفصل ).

  • الإستثناء الثالث : ويتعلق باكتساب الغير حقا على الشيء محل العقد الباطل وذلك بموج عقد إدارة ، فأعمال الإدارة التي يباشرها أحد المتعاقدين على الشيء المحصل عليه بمقتضى عقد باطل أو قابل للإبطال تبقى ، لأنها تكون لفائدة الشيء ، ولا تأثير لها على حق من تستقر له الملكية نتيجة للبطلان. تبعا لذلك ، إذا اكتسب الغير حقا يتصل بهذا الشيء بموجب أحد عقود الإدارة، فإن هذا الحق يستمر بالرغم من البطلان أو الإبطال.

لكن إعمال هذا الحكم مشروط بشرطين : الأول ألا يكون عقد الإدارة مشوبا بغش من قبل من صدر منه. والثاني أن يكون له تاريخ ثابت سابق على تاريخ دعوى البطلان أوالإبطال.

الفقرة الثالثة : الآثار العرضية المترتبة عن بطلان العقد أو إبطاله

قد يرتب العقد الباطل أو القابل للإبطال بعض الآثار العرضية أو الثانوية ، التي لم يستهدفها المتعاقدان وقت إبرام العقد ، لكنها تصبح عقب ذلك آثارا مقبولة من طرفهم ، نظرا للتغيير الذي طال العقد انتقاصا أو ما يدعى نظرية انتقاص العقد ، أو زيادة ضمن ما يدعى نظرية تحول العقد.

  • نظرية انتقاص العقد

يقصد بهذه النظرية أن يكون العقد باطلا أو قابلا للإبطال في جزء منه ، صحيحا في الجزء الآخر. وفي هذه الفرضية يجري استبعاد الجزء الباطل ، ويستمر الباقي من العقد صحيحا باعتباره مستقل الكيان. وهذا ما اعتمده المشرع المغربي في الفصل 308 من ق.ل.ع الذي جاء فيه " بطلان جزء من الإلتزام يبطل الإلتزام في مجموعه ، إلا إذا أمكن لهذا الإلتزام أن يقى قائما بدون الجزء الذي لحقه البطلان. وفي هذه الحالة الأخيرة يبقى الإلتزام قائما باتباره متميزا عن العقد الأصلي ".

من ثم فنظرية انتقاص العقد تستهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه من العقد تطبيقا لقاعدة " ما لا يدرك كله لا يترك كله ". وهي لا تقوم إلا بتحقق شرطين أساسيين :

الشرط الأول : كون العقد قابلا للتجزئة بطبيعته

طبقا لهذا الشرط يتعين أن تكون أجزاء العقد الباطلة أو القابلة للإبطال قابلة للإنفصال عن بقية الإلتزامات الأخرى السليمة.

وهذا ما ينطبق على حالة القرض بفائدة مرتفعة ، حيث أبطل المشرع بمناسبته الشرط الفاحش وأبقى على العقد صحيحا ضمن الحدود التي يجيزها القانون ، كما يتبين من خلال سياق الفصل 878 من ق.ل.ع الذي نص على ما يأتي " من يستغل حاجة خص آخر أو ضعف إدراكه أو عدم تجربته فيجعله يرتضيي من أجل الحصول على قرض ، أو لتجديد قرض قديم عند حلول أجله، فوائد أو منافع أخرى تتجاوز إلى حد كبير السعر العادي للفوائد وقيمة الخدمة المؤداة ، وفقا لمقتضيات المكان وظروف التعامل، يمكن أن يكون محلا للمتابعة الجنائية. ويسوغ إبطال الشروط والإتفاقات المعقودة بمخالفة حكم هذا الفصل بناء على طلب الخصم ، بل حتى من تلقاء نفس المحكمة...".

نفس الحكم يسري على حالة شروط عدم الضمان المضمنة من طرف أجير الصنع بغية الإضرار بزبونه ، ذلك أن بطلان هذه الشروط لا يترتب عليه بالضرورة بطلان عقد المقاولة. جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 772 من ق.ل.ع " يبطل كل شرط موضوعه إنقاص أو إسقاط ضمان أجير الصنع لعيوب صنعه ، وعلى الأخص إذا كان قد أخفى عن قصد هذه العيوب ، أو كانت هذه العيوب ناشئة عن تفريطه الجسيم ".

ويندرج في هذا الإطار أيضا طبقا للفصل 1035 من ق.ل.ع بطلان "...الشرط الذي من شأنه إعفاء أحد الشركاء من كل مساهمة في تحمل الخسائر ، ولكن لا يترتب عليه بطلان العقد".

وقد شدد القضاء المغربي على هذا الشرط في العديد من المرات ، كما هو الشأن بالنسبة لقرار المجلس الأعلى ـ محكمة النقض حاليا ـ الصادر بتاريخ 14 أكتوبر 1998 الذي جاء فيه " حيث إنه بمقتضى الفصل 308 من ق.ل.ع فإن بطلان جزء من الإلتزام لا يبطل الإلتزام كله إذا أمكن قيامه بدون الجزء المذكور...".

الشرط الثاني : عدم تعارض نية الأطراف مع فكرة انتقاص العقد

لا مجال لإعمال نظرية انتقاص العقد إذا تبين أن أطرفه ـ أو أحدهمـ كانوا يعتبرونه وحدة متكاملة لا تقبل التجزئة أوالإنفصال. وهذا ما يسمى بالعقد المركب أو مجموعة العقود ، والتي يقع التعاقد فيها على أساس قبول كل الجوانب والشروط المكونة للصفقة الواحدة ، بحيث إن أي إخلال يصيب أحد الاجزاء المكونة لهذه الصفقة إلا ويستتبعه البطلان أو الإبطال الكلي لمجموع الصفقة.

  • نظرية تحول العقد

هي نظرية تسمح بتحول العقد الذي بطل برمته إلى عقد آخر تكون مقوماته متوفرة في العقد الباطل ، إذا تبين أن قصد المتعاقدين كان يتجه منذ البداية إلى هذا التحول لو علما باختلال تكوين العقد الأول. وقد اعتمد المشرع هذه النظرية في الفصل 309 من ق.ل.ع الذي نص على ما يأتي " إذا بطل الإلتزام باعتبار ذاته وكان به من الشروط ما يصح به التزام آخر جرت عليه القواعد المقررة لهذا الإلتزام الأخير ".

تبعا لذلك لا يمكن إعمال نظرية تحول العقد إلا عند تحقق ثلاثة شروط وهي .

الشرط الأول : كون العقد الأصلي باطلا أو قابلا للإبطال

يتعين أن يكون العقد الأصلي باطلا أو قابلا للإبطال بكامله أو في جزء منه لا يقبل الإنفصال عن بقية الأجزاء الأخرى السليمة. فلا يمكن بحال من الأحوال أن يستبدل عقد صحيح بعقد آخر قد يفضله العاقدان لو عرض عليهما الأمر عقب التعاقد.

أيضا لا مجال لتطبيق نظرية تحول العقد إذا كان البطلان أو الإبطال جزئيا ، وإنما يتعين في هذه الحالة إعمال نظرية انتقاص العقد عند تحقق شرطيها المذكورين.

الشرط الثاني : اشتمال العقد الباطل أو القابل للإبطال مقومات عقد آخر

يتعين لإعمال نظرية تحول العقد أن تلتمس عناصر العقد الجديد من بين مخلفات العقد الباطل لا خارجه.

ومن الامثلة على ذلك أن العقد الرسمي الباطب نظرا لعدم استجماعه لشروطه الشكلية قد يتحول إلى عقد عرفي تطبيقا للفصل 423 من ق.ل.ع الذي جاء فيه " الورقة التي لا تصلح لتكون رسمية ، بسبب عدم اختصاص أو عدم أهلية الموظف ، أو بسبب عيب في الشكل ، تصلح لاعتبارها محررا عرفيا إذا كان موقعا عليها من الأطراف الذين يلزم رضاهم لصحة الورقة ".

وأيضا الفرضية التي نص عليها الفصل 1035 من ق.ل.ع بقوله " إذا تضمن العقد منح أحد الشركاء كل الربح ، كانت الشركة باطلة ، واعتبر العقد متضمنا تبرعا ممن تنازل عن نصيبه في الربح...".

الشرط الثالث : انصراف إرادة المتعاقدين إلى اعتماد العقد الجديد

لا مجال لإعمال فكرة تحول العقد إلا إذا تبين للقاضي أن المتعاقدين كانا سيرضيان بالعقد الجديد بالرغم من بطلان العقد الأصلي. غير أن ثبوت العقد الجديد لا يتأسس على الإرادة الحقيقية الصريحة للعاقدين ، وإنما يتأسس على محض الإرادة المفترضة المقترنة بملابسات وظروف ترجح احتمال اتجاه قصدهما نحو اعتماد العقد الجديد.

تعليقات

التنقل السريع